|| غيث الوحي ||

من أعظم لذائذ الدنيا ونعيمها أن يوفقك الله لتحمده وتثني عليه، وتسبحه وتنزهه، وتعظمه وتكبره.. ومن الحِرمان الحقيقي: ألا تدري عن ذلك النعيم. ومن الخِذلان الحقيقي: أن تُسلبه بعد ذوق حلاوته!

وما إرسال رسولٍ كمثل محمد ﷺ، إلا شاهدٌ من شواهد جمال صفات الله عز وجل.

. انظر لتفاصيل يومك، وأفكارك وهمومك، وخططك وغاياتك.. ثم صارح نفسك: إلى أيِّ الوجهتين ولَّيتَ وجهك، رجاء لقاء الله؟ أم الرضا بالحياة الدنيا؟

مَن أبغضَ معصيته، وجاهدَ نفسه للتخلص منها، ولم يتصالح مع وجودها، وأدامَ سؤال ربه أن ينجيه منها ومن شؤمها: فالله عليمٌ بجهاده، خبيرٌ بصدقه، رحيمٌ بحاله، شكورٌ لسعيه، توابٌ لتوبته، مجيبٌ لدعوته ولو بعد حين، لا يشكُّ في ذلك مثقال ذرةٍ من عرفه سبحانه.

إني لأتهيَّبُ الرجل إذا رأيتُه يُطيل الدعاء، وأذكرُ حينئذٍ قول الله تعالى في الحديث القدسي: "وأنا معه إذا دعاني"، فأيُّ شيءٍ فعله ليكرمه الله بمعيَّته الخاصَّة كلَّ ذلك الوقت!

. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ • یومَ یُحمَىٰ عَلَیهَا فِی نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُم هَـٰذَا مَا كَنَزتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُوا۟ مَا كُنتُمۡ تَكنِزُونَ ﴾ [التوبة: ٣٤] •• هذا الوعيد الشديد المخيف هو لمن آتاه الله علما أو مالا ثم لم يقم بحقهما، ولم يجعلهما وسيلةً للدلالة إلى الحق، ولم ينصر بهما الدين، بل سخرهما لمنافعه الشخصية فحسب. قال ابن عباس عن هذه الآية: "هي خاصةٌ وعامة" أي تشمل أهل الكتاب ومن شابه فعلهم من المسلمين كذلك.

إذا شعرت بالتردد قبل التصدق، أو بالبرد قبل الوضوء، أو بالتعب قبل قيام الليل، أو بالتلعثم قبل النهي عن المنكر.. فأقبل.. فإنما هي فرصتك لمحاربة الشيطان ومراغمته، ولمجاهدة النفس وتزكية أخلاقها، وهذا بابٌ عذبٌ من أبواب العبودية، عند التخلي -في تلك المواطن- عن مراد النفس الذي تشتهيه وتقديم مراد الله عليه، فما ألذَّ العبادة حينئذٍ لمن وفقه الله.

أخطاء الماضي تذكرنا حقيقة أنفسنا، وأنا نحن نحن، بشحمنا ولحمنا قد فعلنا ما فعلنا، وأنا لو وُكلنا إلى أنفسنا لبقينا في ذلك الوحل لا نخرج منه والله، (ولكن الله سلَّم)، (ولكن الله حبب إليكم الإيمان)، (ولكن الله يمن على من يشاء)، (ولكن الله يهدي من يشاء)، (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبدا ولكن الله يزكي من يشاء).. فما هي إلا منته والله، وما هو إلا فضله على الحقيقة!

{فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا} لا إله إلا الله.. رحماك ربي. خسر والله وخاب من استدعى من الله -الذي وسعت رحمته كل شيءٍ- أن يقابله بهذه الكلمات..

➖ مالذي يقتضيه قولك في ورد أذكارك: "رضيتُ بالله ربًا"؟ • إذا رضيتَ به ربا فقد رضيتَ به إلها.. فلا يستقيم أن تصرف شيئا من محبتك وخوفك ورجائك وعبوديتك لغيره وقد ادَّعيتَ الرضا به. • وإذا رضيتَ به ربا، فقد رضيتَ به قاسمًا معطيًا مانعًا.. فلا يستقيم أن تسخط من أقداره التي تصيبك، ومن قسمته لك في رزقك، وقد ادَّعيتَ الرضا به. • وإذا رضيتَ به ربا، فقد رضيتَ به حَكَمًا مشرّعًا.. فلا يستقيم ألا تسلِّم مذعنا لأحكام شريعته، ممتثلا لأمره ونهيه، وقد ادَّعيتَ الرضا به. وما أعظم أن يتذكر العبد رضاه بكل ذلك، ويناجي الله مقرَّا معترفا بذلك الرضا، مجددا له في كل صباحٍ ومساء.