محمد بن رمضان

"فمن لم يقصد بإيمانه وعبادته إلى الله الذي استوى على العرش فوق سمواته، وبان من خلقه، فإنما يعبد غير الله، ولا يدري أين الله" - الرد على الجهمية للإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي (٢٨٠هـ) رحمه الله تحقيق عادل آل حمدان (ص ٢١٠)

يا جنازة الغد يا من لا يدري أقبره روضة من رياض الجنة أم حفرة من حفر النار يا من لا يدري أتثقل موازينه أم تخف يا من من لا يدري إذا أتى على الصراط أهو ناج مسلم أم مخدوش مرسل أم مكدوش في نار جهنم أفق من غفلتك وتب إلى ربك حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١ - ١١١] .

معركة المولد انتصر فيها السلفيون هنا في ليبيا مذ مئات السنين دخلت علينا بدعة المولد ومكثت وكبرت وترعرع حبها في قلوب العالمين حتى أمست عيدا ثالثا يُعظّم أكثر من أعياد الدين ومن المسلّمات التي لا يجوز فيها التشكيك ولا البحث ولا التنقير فطالت الأيام وذهبت السنون والحال على ما هو عليه ابتعاد عن الدين القويم واتباع لسبيل المنحرفين حتى شاء الله عز وجل -بدعوة سلفية لم يجاوز عمرها الثلاثون- نقض دعوات المبطلين وانتحال المنتحلين بقوة الدليل بغير إفراط ولا تفريط وبالرجوع إلى منابع اليقين فظهر الحق بعد خفائه وتبدلت المفاهيم واستقر النور في قلوب المخلصين المتبعين وهدى الله كثيرا من عباده المحبين إلى صراطه المستقيم فرضي بذلك أهل الاتباع الصادقين وأغضب ذلك أهل الابتداع المشاققين وما زالت قوافل التائبين المتبرئين من غواية الشياطين وشطط المضلين تتجدد عند كل ذكرى مولد -زعموا- فتعلم الناس أمر دينهم ولم يعد البدعيُّ قادرا على تمرير الأباطيل والأكاذيب لأن الصغير قبل الكبير صار يسأل عن الدليل وبهذا يفشل الباطل ويخمد ذكره وتدنو منزلته والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه الأمي مبلغ الرسالة وناصح الأمة والمحذر من بدع المبتدعين

لا يمكن أن تنتهي معركة المولد! ماذا تقترح؟ نشنُّ معركة أخرى بعنوان "الحرب على معركة المولد التي لن تنتهي" نفتتحها بأن معركة المولد لن تنتهي، وننكر على كلا الطرفين ونستعدي كلا الطرفين، هكذا ببساطة! أو نقول "معركة المولد لن تنتهي" ثم نلفق موقفا وسطا بين الطرفين بحجة أن هذا أراد تعظيم النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بوجه هو يراه (فابتدع) والآخر أراد أيضا تعظيم النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بوجه هو يراه (فامتنع) ولا نذكر ما بين قوسين! أو نقول: تريد أن تحتفل حيا هلا! لا تريد أن تحتفل حيا هلا! وأنت حر ما لم تضر أو تنكر على غيرك! معركة المولد لن تنتهي! كما أن معركة الحق والباطل لن تنتهي! كما أن معركة الإيمان والكفر لن تنتهي! كما أن معركة السنة والبدعة لن تنتهي! كما أن معركة التوبة والذنب لن تنتهي! ليست كل معركة لن تنتهي نُلفق فيها تلفيقات باردة أو نعقد صلحا متوهما أو نحاول إيجاد تخريجات لا معنى لها! معركة المولد لن تنتهي ولكن هناك شخص قد يترك هذه البدعة، وقد ينشط في دعوة أهله ومقربيه لتركها.. معركة المولد لن تنتهي ولكن قد يسمع الشخص تأصيلا علميا متعلقا بباب البدعة ينفعه! معركة المولد لن تنتهي ولكن قد يظهر فيها حِكم من جنس رؤية المسلم للخذلان الذي يعلو من لا ينشط في الدعوة لسنة أو لحرب بدعة وإنما حميته فقط على من نشط لذلك، فيستعيذ بالله من ذلك، ويسأل الله تعالى أن يُثبت قلبه! تذكر أن في هذا اليوم هناك من يدَّعي أن النبي صلى اللّٰه عليه وسلم يحضر مجالسهم ويغفر ذنوبهم ويبارك ما يصنعون. تذكر أن في هذا اليوم تُقرأ قصائد شركية لو قيل مثلها في مناجاة اللّٰه تعالى، أحسبه يُغفر لصاحبها. تأمل في هذه مثلا: يا مَن خَزائنُ جُودهِ مملوءةٌ    كَرمًا وبابُ عطائِه مفتوحُ نَدْعوك عن فَقرٍ إليك وحاجةٍ    ومَجالُ فضلِك للعُفَاةِ فسيحُ فاصفحْ عن العبدِ المسيءِ تَكرُّمًا    إنَّ الكريمَ عن المسيءِ صَفوحُ واقبلْ رَسولَ الله عُذرَ مقصِّرٍ    هو إنْ قَبِلتَ بمدحِكَ الممدوحُ في كلِّ وادٍ من صِفاتِك هائمٌ   وبكُلِّ سرٍّ مِن نداك سَبوحُ تذكر أن في هذا اليوم تقام أنواع من المنكرات والأمور قبيحة! تذكر أن متبني هذه الموالد والداعي إليها هو غالبا متبني لمنظومة عقدية كاملة مخالفة للاعتقاد الصحيح، يستغل مثل هذه الأحداث للترويج لعقيدته وللحط على الاعتقاد الصحيح وأصحابه، ويتهم من يحظرها بأنه منتقص للنبي صلى اللّٰه عليه وسلم، كاره مُبغض له، وهذا تغرير بالعوام وتصوير صورة خاطئة عن أصحاب الاعتقاد الصحيح وبالتالي يصير هذا الأمر عائقا في وجه وصول الدعوة لهؤلاء العوام المُلبَّس عليهم! فلا تستهن بهذا الأمر واحتسب في ذلك ولا يشغلك المثبطون! واللّٰه المستعان! انظر: جوامع في مسألة المولد!

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ) رواه مسلم

والله لو جاءني سكير زان آكل للربا ونهاني عن منكر أفعله وقال: اتق الله لقلت له: سمعا وطاعة جزاك الله خيرا وبارك فيك هذا ما أدين لله به قبول النصح من كل مسلم -مهما غرق في المعاصي- وألا أعير مسلما بذنب وهذا ما أدعو الناس إليه وهذا ما أرجو أن يقبضني الله عليه والله الموفق لكل خير

قال أبو داود في الزهد [٥٤]: نا موسى بن إسماعيل، قال: نا حماد، عن حميد، وثابت، عن أنس بن مالك، قال: أتي عمر [يعني ابن الخطاب] بشاب قد سرق، فقال: والله ما سرقت قبلها قط، فقال عمر: كذبت والله، ما كان الله ليسلم عبدا عند أول ذنب.

لعل بينك وبين الجنة عبادة تستصغرها نفسك وهي عند الله عظيمة